سورة الأحزاب - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآَخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)}
أردن شيئاً من الدنيا من ثياب وزيادة نفقة وتغايرن، فغم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت. فبدأ بعائشة رضي الله عنها- وكانت أحبهنّ إليه- فخيرها وقرأ عليها القرآن، فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اختارت جميعهنّ اختيارها، فشكر لهنّ الله ذلك، فأنزل {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52]. روي أنه قال لعائشة: «إنِّي ذاكرٌ لكَ أمراً، ولا عليك أنْ لا تعجلي فيه حتّى تستأمري أبويْكَ» ثم قرأَ عليها القرآنَ فقالَت: أفي هذا أستأمر أبويَّ، فإنِّي أريدُ الله ورسولَهُ والدارَ الآخرةَ.
وروي أنها قالت: لا تخبر أزواجك أنِّي اخترتك، فقال: «إنما بعثني الله مبلغاً ولم يبعثني متعنتاً» فإن قلت: ما حكم التخيير في الطلاق؟ قلت: إذا قال لها اختاري، فقالت: اخترت نفسي. أو قال: اختاري نفسك، فقالت: اخترت، لابد من ذكر النفس في قول المخير أو المخيرة- وقعت طلقة بائنة عند أبي حنيفة وأصحابه، واعتبروا أن يكون ذلك في المجلس قبل القيام أو الاشتغال بما يدل على الإعراض، واعتبر الشافعي اختيارها على الفور وهي عنده طلقة رجعية وهو مذهب عمر وابن مسعود.
وعن الحسن وقتادة الزهري رضي الله عنهم: أمرها بيدها في ذلك المجلس وفي غيره، وإذا اختارت زوجها لم يقع شيء بإجماع فقهاء الأمصار.
وعن عائشة رضي الله عنها: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ولم يعده طلاقاً.
وروي: أفكان طلاقاً.
وعن عليّ رضي الله عنه. إذا اختارت زوجها فواحدة رجعية، وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وروي عنه أيضاً أنها إن اختارت زوجها فليس بشيء. أصل تعال: أن يقوله من في المكان المرتفع، لمن في المكان المستوطيء، ثم كثر حتى استوت في استعماله الأمكنة. ومعنى تعالين: أقبلن بإرادتكن واختياركن لأحد أمرين، ولم يرد نهوضهنّ إليه بأنفسهنّ. كما تقول: أقبل يخاصمني، وذهب يكلمني. وقام يهددني {أُمَتّعْكُنَّ} أعطكنّ متعة الطلاق.
فإن قلت: المتعة في الطلاق واجبة أم لا؟ قلت: المطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها في العقد، متعتها واجبة عند أبي حنيفة وأصحابه، وأما سائر المطلقات فمتعتهن مستحبة وعن الزهري رضي الله عنه: متعتان، إحداهما: يقضي بها السلطان: من طلق قبل أن يفرض ويدخل بها. والثانية: حق على المتقين من طلق بعد ما يفرض ويدخل، وخاصمت امرأة إلى شريح في المتعة فقال: متعها إن كنت من المتقين ولم يجبره.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: المتعة حق مفروض.
وعن الحسن رضي الله عنه: لكل مطلقة متعة إلا المختلعة والملاعنة، والمتعة: درع وخمار وملحفة على حسب السعة والإقتار، إلا أن يكون نصف مهرها أقل من ذلك، فيجب لها الأقل منهما. ولا تنقص من خمسة دراهم؛ لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها.
فإن قلت: ما وجه قراءة من قرأ: {أمتعكنّ وأسرحكنّ} بالرفع؟ قلت: وجهه الاستئناف {سَرَاحاً جَمِيلاً} من غير ضرار طلاقاً بالسنة {مِنكُنَّ} للبيان لا للتبعيض.


{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)}
الفاحشة: السيئة البليغة في القبح وهي الكبيرة. والمبينة: الظاهرة فحشها، والمراد كل ما اقترفن من الكبائر: وقيل هي عصيانهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشوزهنّ، وطلبهن منه ما يشق عليه أو ما يضيق به ذرعه ويغتم لأجله وقيل: الزنا، والله عاصم رسوله من ذلك، كما مرّ في حديث الإفك، وإنما ضوعف عذابهنّ لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهنّ وأقبح؛ لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة وزيادة النعمة على العاصي من المعصي، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أحد منهنّ مثل ما لله عليهن من النعمة، والجزاء يتبع الفعل، وكون الجزاء عقاباً يتبع كون الفعل قبيحاً، فمتى ازداد قبحاً. ازداد عقابه شدّة، ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم: أشدّ منه للعاصي الجاهل؛ لأن المعصية من العالم أقبح، ولذلك فضل حدّ الأحرار على حد العبيد، حتى أن أبا حنيفة وأصحابه لا يرون الرجم على الكافر {وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً} إيذان بأن كونهن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمغن عنهن شيئاً. وكيف يغني عنهن وهو سبب مضاعفة العذاب، فكان داعياً إلى تشديد الأمر عليهنّ غير صارف عنه. قرئ {يأت}، بالتاء والياء. مبينة: بفتح الياء وكسرها، من بين بمعنى تبين. يضاعف، ويضعف: على البناء للمفعول. ويضاعف، ونضعف: بالياء والنون. وقرئ: {تقنت} وتعمل: بالتاء والياء. ونؤتها: بالياء والنون. والقنوت: الطاعة، وإنما ضوعف أجرهنّ لطلبهنّ رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق، وطيب المعاشرة والقناعة، وتوفرهنّ على عبادة الله والتقوى.


{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)}
أحد في الأصل بمعنى وحد، وهو الواحد، ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه. ومعنى قوله: {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} لستنِّ كجماعة واحدة من جماعات النساء، أي: إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة لم توجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة، ومثله قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ} [النساء: 152] يريد بين جماعة واحدة منهم، تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين {إِنِ اتقيتن} إن أردتن التقوى، وإن كنتن متقيات {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالقول} فلا تجبن بقولكن خاضعاً، أي: لينا خنثا مثل كلام المريبات والمومسات {فَيَطْمَعَ الذى فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي ريبة وفجور. وقرئ بالجزم، عطفاً على محل فعل النهي، على أنهن نهين عن الخضوع بالقول. ونهى المريض القلب عن الطمع، كأنه قيل: لا تخضعن فلا يطمع.
وعن ابن محيصن أنه قرأ بكسر الميم، وسبيله ضم الياء مع كسرها وإسناد الفعل إلى ضمير القول، أي: فيطمع القول المريب {قَوْلاً مَّعْرُوفاً} بعيداً من طمع المريب بجد وخشونة من غير تخنث، أو قولاً حسناً مع كونه خشناً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8